القلق... لماذا نقلق؟ وما السبيل لتجاوزة أو التكيف معه؟

 لماذا نقلق؟ وما السبيل لتجاوزة


أوالتكيف معه؟

القلق... لماذا نقلق؟ وما السبيل لتجاوزة أو التكيف معه؟


القلق أشبه بضغط الدم، إذ تحتاج إلى مستوى معين منه كى تعيش، لكن الكثير منه قد يتسبب فى مصرعك، فجميع الناس يتوترون ويهتاجون وتتآكلهم مشاعر القلق اليومية.. وإن كان ذلك بدرجات متفاوته، لكن ... ماهو القلق؟ ولماذا نقلق؟ ومتى يكون قلقنا أمراً طبيعياً؟ وكيف نتعامل معه؟ وما السبيل لتجاوزه أو التكيف معه؟.

ماهو القلق؟

القلق يشبه أداة كنس لا مرئية لا تكل ولا تمل، تطوف زوايا الدماغ وتقتات على أى شئ تعثر عليه، ويفرض القلق نفسه على الشخص من تلقاء ذاته بحيث يتغذى على عدد لا نهائياً من الجوانب والإحتمالات السلبية فى الحياة، فينتقص من إستمتاعك بالأصدقاء والأسرة والإنجازات والصحة الجسدية.... كل ذلك بسبب الخوف مما قد يحدث خطأ.

فالقلق نوعاً خاصاً من الخوف، حيث أنه الطريقة التى يتعامل بها الناس مع الخوف البسيط، حيث يصل إلى ذلك الجزء من الدماغ المعروف بأسم القشرة الدماغية ونجعل هذا الخوف معقداً حيث نُضيف إليه الحدس والذاكرة والخيال والعاطفة.

ويأخذ القلق أشكالاً عدة، لكنه غالباً ما ينبع من إحساس متعاظم بالهشاشة والضعف، وقد يتساءل البعض: " ما الذى يحدث فى العالم من حولى كى أشعر بالقلق؟ "، إن هذه التساؤلات والأفكار لا تعمل إلا على زيادة إحساسنا بالضعف والعجز، إذ يجب أن ندرك جيداً أنه ليس بالضرورة أن يكون هناك شئ خطأ فى العالم أو من حولنا كى نقلق، فقد يحدث القلق حتى فى أحسن الظروف والأحوال وقد نتمكن من تهدئة الشخص القلق لفترة من الوقت لكن لهيب القلق سرعان ما يسرى فى ذهنه ثانية.



لماذا نقلق، وهل هنالك جينة محددة مسئولة عن القلق؟

يقلق الشخص عندما يدخل عقله فى نوبة قلق لا تسمح له بأن يسترخى أو يتقبل أخباراً ساره، خاصة وأن نظامه يواصل ضخ جرعات كبيرة من الأدرينالين تحت ضغط كبير.

وقد توصل العلماء مؤخراً إلى فهم بيلوجية القلق، وتحديد ما الذى يحدث فى الخلايا العصبية للشخص القلق بدلاً من روحه، ويتضح من نتائجهم أن بعض الناس يولدون قلقين بطبيعتهم، إذ قد تكون أنظمتهم العصبية اللاإرادية مهيأه أكثر، كما أن معدلات ضغط الدم والنبض والتنفس أكبر لديهم بالمقارنه مع آخرين ولعلهم أقل حساسية من غيرهم لمعدلات الإجهاد الطبيعية فى الدماغ والتى تنشطها وتثيرها الناقلات العصبية المعروفة بأسم " غابا " ، فالناس الذين لديهم كمية وفيرة من غابا أو أدمغة تستجيب لها، قد يكونوا هادئين بطبيعتهم، وفى المقابل أظهرت دراسة مذهلة أن هناك " جينه" محدده مسئولة عن كون بعض الأشخاص ذوى قابلية كبيرة للرضوخ لمشاعر القلق والتشاؤم والتفكير السلبى، كما أظهرت دراسة أخرى أن الاطفال المتوترين عادة ما يكبرون ليصبحوا بالغين متوترين وخجولين وقلقين.

إن هذه المعلومات الجديدة جعلتنا نتوقف عن إلقاء اللوم على الأشخاص القلقين بإعتبارهم مسئولين عن محنتهم والبدء بمساعدتهم لكى يتحسنوا ومن أحدث وأقوى النتائج التى توصل إليها الباحثون هى أن الأدمغة مرنه وقابلة للتكيف، فأنت لا تستطيع أن تمنح نفسك دماغاً جديداً لكنك تستطيع أن تعيد توجيهة وتدريبه وترتيبه، أى أنك تستطيع أن تتغير.

متى يكون القلق غير طبيعى وكيف نتعامل معه ؟

يتضح أن العديد من الناس الذين يقلقون كثيراً إنما يفعلون ذلك بسبب إنعدام الثقة أو فقدان الإيمان بشئ ما، وإذا ما أتيح لهولاء الناس الفرصة لأن إزالة الغطاء عن ما بداخل قلوبهم، يتبين لنا حجم الصدمة النفسية التى تعرضوا لها والتى شكلت الباعث الرئيسى لشعور القلق الذى يسيطر على حياتهم فلا نستغرب مثلاً أن يغزو القلق شخصاً ناجحاً على الصعيد الشخصى والمهنى جراء تعرضة لتجربة مريرة لم يكن يتوقعها على الإطلاق مثل خيانة صديق ... حينها ودون وعى تراه يفقد الإيمان بمسلمات ومبادئ كثيرة، كما يفقد ثقته بكافة إختياراته وقراراته وتراه ينظر بعين الشك والتخوف إلى أي تجربة جديدة، بحيث يقلبها من كافة الوجوه بخوف وقلق وتوتر دون أن يملك الجرأة لخوضها متحملاً النتائج أياً كانت، إن مثل هذا الشخص يبدأ بالإنسحاب من محيطه ليعيش مع تجربة القلق وحيداً ودون المشاركة أحد بها، ما يحتاج إليه الشخص هنا هو التقرب من الناس بدلاً من الإنسلاخ عنهم من خلال شريك الحياه أو الأبناء أو الأصدقاء أو الأقرباء أو الزملاء فى العمل، عليه أن يتجاوز صدمته فى تجربة المره السابقة من خلال تجارب جديدة مع آخرين مبنية على ثقة أكبر ويبحث عن دعم أكبر فى الحياه وعلاقات أعمق وروابط وصلات قوية ومتينة.

كيفية محاربة القلق وعلاجة ؟


 - التعرض التدريجي للمسبب أفضل علاج للقلق 

تشكل بعض الأدوية الشائعة التى توصف عادة للتخفيف من القلق مثل المهدئات ومضادات الإكتئاب جزءاً محدوداً من برنامج علاج القلق، وكثيراً ما تكون هذه الأدوية غير ضرورية ويتعين على الشخص هنا أن يعرف طبيعة قلقة ومبعثه ويجمع معلومات كافية عنه ثم يطور خطة خاصة للعلاج ومن أقوى العلاجات التى يمكن اللجوء إليها للتخفيف من القلق " التعرض التدريجى للمسبب " فإذا كانت الإرتفاعات تسبب لك القلق والتوتر، تستطيع أن تبدأ بتخيل نفسك واقفاً على إرتفاع معين وتنظر الى الأسفل ثم وفي خيالك وأمام الطبيب المعالج، أبدأ بالصعود التدريجى إلى أعلى وبعد أن تشعر بالراحة جراء تعرضك للإرتفاعات فى خيالك، حاول فى الواقع إستخدام الطريقة التدريجية ذاتها.

- تدريب الدماغ 

كما تدرب عضلات الجسم لممارسة رياضة معينة، تستطيع أن تدرب دماغك وتتعلم مهارات جديده لتجاوز القلق، تحدث مع نفسك بطريقة إيجابية وحاول أن تمحو تلك الأنماط القديمة فى التفكير وذلك بأن تتعمد أن تصرف إنتباهك عنها أو تلهى نفسك بأشياء أخرى على نحو متعمد مثل " التصفير أو الغناء "

 حاول أن تدخل فكرة إيجابية واحدة فى خضم مجموعة الأفكار الكئيبة التى تسيطر على ذهنك، أن إدخال فكرة إيجابية فى كل مره من شأنه تحويل نمط تفكيرك بالتدريج من السلبى إلى الإيجابى، راقب أفكارك اللارادية كلما تلقيت أخبارا مزعجة أو خطراً من نوع ما ولا بأس من أن تدونها وسوف ترى أن هذه الأفكار مبالغ فيها جداً، إدرسها جيداً بحثاً عن الأخطاء فيها من وجهه نظر منطقية ويمكنك إيجاد فرضيات بديله منطقية أكثر.

- التمارين الرياضية تمتص القلق والتوتر وتساعد على التركيز 

تشكل التمارين الرياضية أفضل عامل طبيعى مضاد للقلق، حيث تقلل التوتر وتمتص الإحباط والعدوانية الزائدة، كما تعزز الصحة العامة وتحسن النوم وتحد من الميل للإفراط فى الطعام وتساعد على التركيز.

إن التمارين الرياضية مفيدة للجسم والعقل معاً... لذا فإن ممارستها يوماً بعد يوم على الأقل يجب أن تكون جزءاً من خطتك لتقليل القلق، على أنك تستطيع ممارسة بعض التمارين على الفور للتخفيف من القلق الحاد، فإذا كنت تواجه مثلاً يوماً عصيباً فى المكتب، حاول أن تصعد وتهبط مجموعة من السلالم خمس مرات، وسوف تجد حين تعود إلى مكتبك أن ذهنك عاد أقل توتراً.

وفى النهاية يمكن القول إن القلق قد لا يكون دائما بالأمر السيئ ... فالقليل منه مفيد إذ يعطيك الحافز للعمل وبذل المزيد من الجهد للنجاح خاصة إذا كنت شخصاً متفوقاً ومتميزاً كرياضى يشعر بالقلق قبل بدء المباراه رغم كافة الإستعدادات التى وفرها من جانبه للفوز.... إن القلق هنا خوف والخوف فى الكثير من الحالات وقود النجاح.


تعليقات